زفة ألوان

لماذا لا نفاوض..؟؟

زفة ألوان: يس علي يس

لماذا لا نفاوض..؟؟

زفة ألوان: يس علي يس

• وانقسم الناس في ليلتهم تلك إلى ثلاثة أقسام: سودانيون من أصحاب الدم الحار، “قرادة” على ظهر جمل، وكثير من السذج، وهو ما يعج به السودان الآن من أصناف، وهي التي تخلق كل هذا الزخم والتجاذب، والمغالطات والتناوش، ويجعل من سوح الفضاء الأسفيري معارك موازية لتلك التي يخوضها جيشنا الهمام دفاعاً عن الأرض والعرض والوحدة والتماسك، ولعل المواقف من التفاوض كلها قد نبعت من هذه التسميات التي لم تأت عبطاً، وإنما بناء على فكرة كيف سيكون سودان ما بعد الحرب، ومن تلك الزاوية يأتي تسمية الأشياء بمسمياتها أعلاه..!!
• فأما السودانيون الخلص، فأولئك يدركون الحقيقة العارية، ويرونها تجري أمام أعينهم لا تخشى شيئاً ولا تستحي من عين أحد، يعرفون أن هذه الحرب لم تكن مجرد انقلاب، ولم تكن صراع جنرالين كما يحاول أن يروج لها العالم، ولكنها كانت فكرة لتغيير ديموغرافي كبير في أرض السودان، يتبعه إنشاء مملكة ممتدة من عمق النيل إلى أقصى غرب أفريقيا، في شريط طويل، وبأفكار ذات جذور تأريخية وأطماع ليست وليدة أفكار الهالك “حميدتي”، ولكنه مخطط حشد له الأنذال من كل مكان في أفريقيا، ليكون السودان “بلد من لا بلد له”، لذلك سترى في وجوه الأوباش سحنات كان السودان بالنسبة لها حلماً يراودها، فها هي قد وجدت نفسها “تحوم” في الخرطوم وأم درمان وبحري ومدني وقرى الجزيرة ومدن دارفور، تدخلها بيتاً بيتاً وتنهبه وتخرج إلى أرض “الملاقيط” الممتدة غرباً إلى ما لا نهاية..!!
• السودانيون الخلص الذين رضعوا ثدي أمهاتهم عزة وكرامة وأنفة، لم يكونوا ليستسلموا لطول أمد الحرب، فهم يدركون أن أوان الخلاص قد حان، وأن هذه العصبة الكريهة التي ظلت تجثم على صدور الناس قد آن أوان إبادتها مهما كان الثمن غالياً، ولعل الشرفاء اختصروا هذا الشرح الطويل بعبارة “بل بس” حتى سموهم محدودي التفكير بـ”البلابسة”، وهم الذين يخططون لمشهد ما بعد الحرب بدون أي وجود للملاقيط لا في الحياة السياسية لا العسكرية ولا المدنية، وتفكيرهم واحد: وهو أن هذه الأرض لن تتسع لنا ولهم، فإما أن يحكموها بقوة السلاح أو نبيدهم بقوة السلاح، فالأرض التي لا نستطيع حمايتها بالقوة لا يحق لنا العيش على ظهرها..!!
• أما الـ”قرادة” على ظهر جمل، فهم تلك الحقائب المترحلة ما بين عواصم العالم، بعيون “مكسرة وناعسة” يواجهون الكاميرات، وبحزن منافق في الوجوه على ما يحدث في السودان، تظهر أجنحتهم الملائكية تحت الأضواء وفي الشاشات، وفي الظلام تلمع أسنانهم البارزة والقرون، وهؤلاء لا حول لهم ولا قوة، هم قادرون فقط على الالتصاق بالأجسام ورضاعة دمها بلا أدنى مجهود، مكلفون لمن يحملهم على ظهره ويسقيهم دمه ويعيشون عليه، فالجمل الذي لا يحرص على النظافة يمتلئ ظهره بـ”القراد”، فما بالك بهؤلاء الأوباش، وما بالك بمن يدعمهم ويقف خلفهم؟؟، هؤلاء الـ”قراد” يحاولون عبور صحراء الحرب إلى واحة السلطة دون أن يتحملوا تعب الرحلة، هم ببساطة “عاوزين الباردة” التي ركبوها من قبل على ظهر “ثورة ديسمبر” ثم لم يكلفوا أنفسهم سوى “شوية تمثيليات” ليجدوا المقاعد في انتظارهم بدعم من المغيبين الذين كانوا يفكرون بقدر أفقهم في هذه الحياة، فكانت “قحط” نكبة السودان الكبرى على مر التأريخ، هم يطوفون الغرف الباردة والفنادق في العالم، ويتقلبون في نعيم “ثمن العمالة”، ثم إذا تحقق مبتغاهم يقولون ما قالته الـ”قرادة” بعد أن عبر الجمل الصحراء، ويبحثون عن “الشكرة”.. وذلك حلم غير قابل للتحقيق..!!
• أما السذج، فهم فئة تجرحهم الوردة، ويبكيهم لحن، هم أولئك الذين كانوا يبكون “زمان” حين يموت البطل في نهاية المسلسل، يخشون منظر دماء الذبيح في الأضاحي، ويرون أن فيها تعدياً ووحشية، يغمى عليهم إذا سمعوا أصوات الرصاص في “عقد زواج”، هؤلاء هم الذين يدبجون منشوراتهم بعبارة “لازم تقيف” و “لا للحرب”، معظمهم قد غادر السودان قبل عشرات السنين، ولم يعد يملك منه إلا بعض ذكريات الطفولة، أو غادره مع زوال نعمة السلطة من “القحاطة”، فطفق يتقلب في العواصم، ولا يمكن له أن يعيش إلا إذا أظهر منشوراته وأزعج بها بني جلدته من أجل إرضاء الكفيل تحت شعار “الدرهم مقابل الهراء”، ولعلكم الآن تتذكرون الكثير من الأسماء التي تعرفونها كما يحدث عندي، وتدرك أن الوطن عندهم هو أن تجلس في نجيلة ما، تحمل كتاباً “دوستوفيسكي” يتحدث عن الحب والفقر، يحتسي القهوة إلى جانبه “شفيفة” من نفس هذا النوع “البائس”، تلك هي الأوطان التي يبحثون عنها في منفاهم، لذلك لا تجرحوا مشاعرهم بذكر الجيش والقوة والموت والصمود، فإن إجابتهم “ياااي” لا أكثر..!!
• لم تعد هذه الحرب بين جيشين، صارت بين شعب عريق وقديم ومجرب، وبين مليشيا أذلته ذات غفلة، الداعون للسلام مع هؤلاء يحاولون تغافل أن كل بيت صارت له ثأرات مع هؤلاء الأوباش، فإن كان بإمكان الحكومة أن تقدم تنازلات عن الحق العام فإنه لا يحق لها التنازل عن حقوق الناس الخاصة، ففي كل عائلة هنالك شهداء، وفي كل بيت نهب وسرقة، وفي كل أسرة اغتصاب وإذلال، فإن عجزت الحكومة عن الرد، فإن هذه الصدور المائجة لن تصمت، ولن تدع من أذلها وأهانها وشردها على العيش مجدداً في هذا المجتمع..!!
• من أراد أن يذهب إلى تفاوض عليه أن يشترط في البنود منحه مقاطعة أو محافظة أو ولاية ليحكمها في بلد المفاوضات تلك، فهذه الأرض لا تقبل أنصاف الحلول، ولا أنصاف المواقف، ولا تقبل البيع بالجملة، ولا المشي على دماء الشهداء، وتجاهل الخسائر، وسيادة الأغراب والمرتزقة على هذه الأرض..!!
• فاااا شنو.. “بل بس”..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى