لحظات الوداع
كتب : أحمد الرمادي
توديع السودانيين بعضهم لبعض في كل لحظات حياتهم بكل تلك الأمومة والحنان ليس مجرد ثقافة ، أو شعيرة إجتماعية فقط ، هو سر عظيم من الأسرار الإلهية في التوادد والتراحم
فنحن نودِّع بعضنا لمجرد الذهاب إلى السوق ونقول ” في وداعة الله ” ناهيك عن السفر خارج البلاد أو التشريد والنزوح كذلك عندنا في الموت ، يمشي الناس خلف الميّت ومن حوله كما يفعلون في الزيارات ، تجد أهله في حزنهم يتأدبون ، وجوههم تبرق من الإيمان حتى تحبسهم يروا فقيدهم رأي العين مع زمرة الصدِّيقين والشُّهداء وحسن أولئك رفيقا ، والأصدقاء كذلك يودِّعونه بحرارة كما يفعلون كل ليلةٍ كأنَّه لن يتغيّب في الغد عن المقاهي ..
هكذا هم ، الحياة عندهم حياة ، لأنهم ماتوا قبل الموت فعاشوا حياة الخلود ، لكنهم ولأول مرة لا يودِّعون بعضهم البعض ، لا المسافرين ودَّعوا بعضهم ، ولا الراحلين ..
وكلما شهدت معهم موقفاً عظيما من مواقف الحياة و امتحانات الدهر والأقدار ما تذكرت إلا مقولة قديمة قرأتها منذ أكثر من عشرة أعوام أو يزيد تقريباً لقائلها الذي انستني السنون بأحوالها واهوالها اسمه .. ويقول
” السودانيون يمضون وحدهم منذ الأزل ، يتهادون كالنيل من الجنوب إلى الشمال، يتأدبون كالنسمة وكأن موعدهم حتى في يوم الحشر موعد شعب لا يشبه إلا نفسه .
السودانيون هم الناس ، وهم شعب الله الذين يمشون بملء إرادتهم وحيدين ”
فطوبى لهم . طوبى لكم أيها الأحرار